يصادف يوم الخامس من مايو من التقويم القمري الصيني كل عام عيد دوان وو التقليدي الصيني، وفيما يلي نعرفكم بطقوس هذا العيد.
يحتفل جميع الصينيين بعيد دوان وو دائما لإحياء ذكرى شاعر وطني صيني قديم اسمه تشيو يوان. وتقام الأنشطة الاحتفالية الشعبية دائما في هذه الأيام خصوصا ما يعرف بسباق تجديف قوارب التنين وتعليق أكياس العطر في رقاب الأطفال وتناول طعام زونغ زه الذي هو نوع من الأطعمة الشعبية الصينية اللذيذة، وقد أصبحت هذه الأنشطة الاحتفالية موضوعا هاما في الثقافات التقليدية الصينية العريقة. ومن أجل المحافظة على هذه التقاليد الصينية القيمة بصورة أحسن، قررت الحكومة الصينية إدراج هذا العيد الشعبي ضمن قائمة الأعياد الرسمية الصينية. إذن، ما هي قصة هذا العيد وما هي الطقوس ؟ ومتى بدأ الناس يحتفلون به؟ هذا ما سوف نعرفكم بتفاصيله خلال هذه الحلقة.
الشاعر الصيني القديم تشو يوان
يعتبر عيد الربيع وعيد دوان وو وعيد منتصف الخريف من الأعياد الصينية الكبيرة. ويصادف عيد دوان وو اليوم الخامس من الشهر الخامس حسب التقويم القمري الصيني، ويسميه المواطنون الصينيون أيضا عيد دوان يانغ أو عيد الخمسة المزدوجة. وفي اللغة الصينية، يعني دوان مطلع الشهر، كما يسمى الشهر الخامس في التقويم القمري الصيني بشهر وو. فيعني دوان وو اليوم الخامس من شهر مايو.
وتنتشر في الصين كثير من الحكايات الشعبية المختلفة عن مصدر عيد دوان وو. ويرى بعض الناس أن هذا العيد يرجع أصله إلى العادات والتقاليد عن التقلب المناخي في الصيف خلال العصور القديمة، أما البعض الآخر فيرى أنه نتيجة لعبادة طوطم التنين لدى السكان القدامى في حوض نهر اليانغتسي في القدم. لكن الحكاية المألوفة لدى عامة الناس تقول إن هذا العيد يهدف لإحياء ذكرى الشاعر الوطني القديم تشيو يوان الذي توفي قبل أكثر من ألفي سنة بعد أن ألقى نفسه في النهر منتحرا. وفي ذلك الوقت، كانت الصين في فترة المماليك المتحاربة القديمة، وتقع مملكة تشو التي يعيش فيها الشاعر تشيو يوان في ضفة نهر اليانغتسي جنوبي الصين، إنها في مواجهة دائمة مع مملكة تشين بشمال غربي الصين محاولة للتغلب عليها. أما الشاعر تشيو يوان فهو رجل ذكي واسع الأفق والمعارف، وقدم للملك الكثير من الخطط والمقترحات في إدارة الشؤون الداخلية والخارجية للمملكة، ولكن هذه المقترحات والأفكار قد حظيت برفض ومعارضة المسؤولين المحافظين في الحكومة، الذين نددوا به وشهروا به باستمرار أمام الملك حتى لا يصدقه ولا يستعين به الأخير في النهاية. فحزن الشاعر تشيو يوان حزنا شديدا ولم يقبل حقيقة الاستبعاد والعزل من الحكومة، وكانت لديه طموحات عالية وأفكار مستنيرة لإنقاذ الوطن. وبعد ذلك، كتب كثيرا من الأشعار الجميلة تعبيرا عن تطلعاته الوطنية وبالمشاعر الغاصبة الحزينة، وبعض هذه الأشعار الممتازة محفوظة حتى اليوم.
تعليق أكياس العطر في رقاب الأطفال
وحسب السجلات التاريخية، فإن الشاعر تشيو يوان نفي من بلاده إلى منطقة نهر مي لوه بمقاطعة هونان قبل وفاته، حيث وجد احتراما بالغا من قبل المحليين هناك. وبعد مدة، إنهزمت مملكة تشو خلال معاركها مع جيش مملكة تشين مما أدى إلى زوالها في النهاية. عندما سمع تشيو يوان هذا الخبر، شعر بيأس كبير وأصيب بحالة من الحزن الشديد، ولم يقبل تلك الحقيقة، فألقى نفسه في نهر مي لو منتحرا في اليوم الخامس من الشهر الخامس حسب التقويم القمري الصيني في عام 278 ق م.
وما إن سمع الناس هذا الخبر، حتى هرعوا إلى جانب النهر لانتشال جثمان تشيو يوان، وبعضهم قام برمى قطع الخيزران المحشوة بالأرز في النهر باستمرار رغبة في إبعاد الأسماك والحيوانات المائية خشية أن تأكل جثمانه. هذا ومنذ ذلك الوقت، كلما يحل هذا اليوم يأتي الناس إلى جانب النهر أو يجدفون القوارب إلى قلب النهر لرش قطع الخيزران المحشوة بالأرز إلى المياه لإحياء ذكرى هذا الشاعر الوطني الصيني القديم تشيو يوان وإذكاء أخلاقه الحميدة. ومع مرور الأيام، تغيرت قطع الخيزران المحشوة بالأرز إلى طعام زونغ زي، وهو نوع من طعام الأرز الملفوف بأوراق القصب أو البامبو، وأصبح تجديف القوارب في النهر سباقا جماهيريا ممتعا لتجديف قوارب التنين في الأنهار والبحيرات. وبهذه الطريقة لإحياء ذكرى البطل الوطني القديم تشيو يوان.
وبالإضافة إلى ذلك، توجد الاحتفالات الشعبية الأخرى في مناطق الصين المختلفة، مثلا في نظر القدماء الصينيين، يعتبر اليوم الخامس من الشهر الخامس حسب التقويم القمري الصيني، هو وقت خاص يمثل بدء ارتفاع درجة الحرارة الجوية تدريجيا ونشاط حركات الحشرات المتنوعة كالثعبان والعقارب وأم أربع وأربعين وغيرها. لذلك، يجب على الناس في هذه المناسبة أن يقوموا بتنظيف الغرفة والبيئة لإبادة الحشرات والتجنب من الأشرار والوقاية من الأمراض المعدية. وفي بعض المناطق، يقوم الناس بتعليق أنواع من النباتات الخاصة على أبواب المنازل لإبعاد وقتل الحشرات الطائرة، أما النساء فيقمن بخياطة أكياس صغيرة مطرزة بالخيوط الحريرية الملونة، ثم يدخلن فيها بعض العقاقير الطبية ويعلقناها في رقاب الأولاد لضمان صحتهم واستمرار العافية والسلامة وإلخ.
مع أن الأنشطة الاحتفالية بعيد دوان وو التقليدي الصيني متعددة في مناطق الصين المختلفة، إلا أن إقامة سباق قوارب التنين وتعليق النباتات الطبية على المنازل وتناول طعام زونغ زي هي من أهم الموضوعات الاحتفالية بالعيد في كل أنحاء البلاد. وفي السنوات الأخيرة، بدأت الحكومة الصينية تركز نشاطها لحماية الأعياد والتقاليد الشعبية الصينية بصفتها جزء هاما من الثقافات الصينية القديمة والمتوافرة، ولم يكن حاليا عيد الربيع التقليدي الصيني وعيد تشينغ مينغ وعيد دوان وو مدرجة في قائمة التراث الثقافي الصيني غير المادي فحسب، بل أصبحت أياما للعطلات الرسمية للمواطنين الصينيين.
طعام زونغ زه
ومن أجل تحسين الاحتفال بعيد دوان وو التقليدي الصيني، طرحت إدارة مدينة بكين أنواعا مختلفة من النشاطات الجماهيرية لمشاركة المدنيين فيها، بما فيها سباقات قوارب التنين التي تقوم بها المحافظات التابعة للمدينة وسباقات إعداد طعام زونغ زي الشعبي وإقامة المهرجانات الشعبية والطقوس الدينية ومع تنظيم العروض الفنية والشعبية المتباينة وإقامة ندوات خاصة لتلاوة القصائد والأشعار وعرض المسرحيات والأوبريات المحلية وإقامة معارض الأعمال الفنية واليدوية وغيرها، وذلك من أجل إحساس المواطنين عبر هذه الأنشطة الشعبية بأهمية وجاذبية الأعياد التقليدية الصينية وزيادة المعارف للثقافات التقليدية الصينية القديمة بين الشباب من الأجيال الجديدة.